حج 2025.. تنظيم مبهر وذكاء اصطناعي في موسم استثنائي

0
45

باريس – بقلم ب.ف

 

في مشهد مهيب اختُتم موسم الحج لعام 1446هـ الموافق 2025م دون تسجيل حادث واحد أو مخالفة تُذكر، في سابقة وُصفت بأنها الأنجح والأكثر أمنًا وتنظيمًا في تاريخ مواسم الحج الحديث. وبينما كانت قلوب الحجاج تتوجه بالدعاء والشكر بعد تمام المناسك، كانت عيون العالم تتابع بدهشة كيف نجحت المملكة العربية السعودية في إدارة أكثر من 1.6 مليون حاج من 171 جنسية مختلفة، وسط صمت الزحام وغياب الفوضى، فيما تحوّل “حج بلا حوادث” من مجرد وسم على شبكات التواصل الاجتماعي إلى عنوان عالمي لمنظومة متكاملة جمعت بين التدين والتقنية، وبين الطمأنينة والتخطيط الذكي.

صور وزارة الداخلية السعودية
صور وزارة الداخلية السعودية

كان النجاح اللافت لهذا الموسم ثمرة شهور طويلة من الإعداد المبكر والتنظيم الصارم، حيث وضعت وزارة الداخلية السعودية، إلى جانب القطاعات الأخرى، خططًا متكاملة لم تُترك فيها ثغرة دون تغطية. وقد كان لوزارة الداخلية السعودية دورٌ محوري في هذا النجاح غير المسبوق، حيث قاد وزير الداخلية الأمير عبد العزيز بن سعود بن نايف منظومةً متكاملة من الجهود الأمنية واللوجستية، انطلقت منذ وقتٍ مبكر واستمرت حتى آخر لحظة في المشاعر المقدسة. لم تقتصر جهود الوزارة على الإشراف والتنظيم، بل شملت التنسيق بين عشرات القطاعات الأمنية، وتنفيذ خطط دقيقة لإدارة الحشود، والرقابة على المداخل والمخارج، ومنع التسلل أو مخالفة الأنظمة. وعبر غرف القيادة والتحكم، التي جرى تطويرها هذا العام بشكل نوعي، كانت كل حركة داخل المشاعر تُرصد وتُدار بكفاءة فائقة. كما أشاد الوزير بالوعي العالي الذي أظهره الحجاج وبعثاتهم، مؤكدًا أن التخطيط الدقيق والتنفيذ المنضبط والجاهزية الأمنية كانت جميعها عوامل حاسمة في تحقيق “حج بلا حوادث”.

لم تكن مجرد خطط ورقية، بل نماذج تشغيلية كاملة جرى اختبارها في تدريبات ميدانية واسعة، تضمنت محاكاة لحالات الطوارئ والتكدّس والظروف المناخية المعقدة. هذا الموسم، لم يكن هناك مكان للتجربة أو المفاجآت، بل تنفيذ دقيق ومستمر، واستخدام ذكي لأدوات العصر في قراءة المشهد واتخاذ القرار قبل أن تنشأ المشكلة أصلًا.

لقد شكّل الذكاء الاصطناعي قلب هذا الإنجاز التنظيمي، إذ تحولت المشاعر المقدسة إلى شبكة مترابطة من البيانات الفورية، تُحلل وتُعالج وتُنفّذ خلال لحظات. كل حاج تحوّل إلى نقطة بيانات متحركة يتم تتبّعها وتحليل نمط حركتها واحتياجاتها، وكل طريق بات تحت المراقبة الذكية عبر منظومات متطورة من الكاميرات والمجسات الحرارية والطائرات المسيّرة. وحين ظهرت بوادر ازدحام محتمل في أحد مسارات منى، لم يكن هناك داعٍ لصفارات إنذار أو نداءات تحذيرية، بل تحرّكت المنظومة بأكملها تلقائيًا، تُعيد توجيه المسارات، وتُنبه الحجاج عبر شاشات، وتُرسل التعليمات للفرق الأمنية عبر أنظمة لحظية.

وما ميّز حج هذا العام أيضًا، هو القضاء شبه التام على ظاهرة الحجاج المخالفين، الذين اعتادوا أداء المناسك دون تصريح رسمي. فبعد أن سُجلت أعداد تقارب نصف مليون حاج مخالف في موسم 2024، جاء هذا العام ليُغلق الباب نهائيًا أمام هذه الظاهرة، بفضل تقنيات متقدمة في نقاط التفتيش، واعتماد أدوات تحقق رقمية تعتمد على التعرف على الوجوه والتتبع الذكي لحركة المركبات والأفراد. آلاف محاولات التسلل تم رصدها في وقت مبكر، وتم التعامل معها قبل وصول أصحابها إلى حدود مكة، دون الحاجة إلى تدخلات ميدانية فوضوية.

صور وزارة الداخلية السعودية

لم تكن جهود المملكة محصورة فقط في تنظيم الحشود، بل امتدت إلى المجال الصحي، حيث نجحت وزارة الصحة في الحفاظ على بيئة خالية من الأوبئة، واستجابت بسرعة فائقة لجميع الحالات الطارئة. تم تجهيز المستشفيات والعيادات المتنقلة على أعلى مستوى، وتوزيع أكثر من 27 ألف كادر طبي على امتداد المشاعر، إلى جانب نشر روبوتات ميدانية لخدمة الحجاج وتقديم النصائح الطبية الأولية. ووفقًا لتقارير دولية، فقد كان هذا الموسم من أكثر مواسم الحج خلوًا من الإصابات والأمراض الموسمية، وهو ما عكس الاحترافية في التعامل الاستباقي مع التحديات الصحية.

صور وزارة الداخلية السعودية

لقد وجّهت المملكة، من خلال هذا الموسم، رسالة واضحة إلى العالم مفادها أن إدارة الحشود لا تعني السيطرة فقط، بل الذكاء في التحليل، والمرونة في التفاعل، والرحمة في التطبيق. وكل ذلك لم يكن ليتم لولا التعاون الكامل بين الجهات الأمنية والصحية والخدمية، وروح الوعي العالية التي أظهرها الحجاج أنفسهم. وفي الوقت الذي كانت فيه تقارير عالمية تشيد بهذا الحدث، كانت عيون الناس في العالم الإسلامي تُراقب بارتياح تجربة تنظيمية استثنائية، أعادت تعريف معنى “حج آمن”.

وبينما ينقضي الموسم، تظل التجربة التي شهدها حج 2025 علامة فارقة في سجل تنظيم الشعائر الدينية، ودرسًا متقدمًا في إدارة التجمعات البشرية الكبرى، ورسالة أمل بأن التقنية حين تُسخّر لخدمة الإنسان والعبادة، فإنها ترتقي بالمكان والزمان معًا.

1. موسم آمن بالكامل.. صفر حوادث وصفر تكدّس

أكثر من 1,615,000 حاج من 171 جنسية أدّوا المناسك هذا العام وسط منظومة دقيقة من التنظيم والتنسيق، دون تسجيل حادث واحد أو حالة وفاة جماعية، أو حتى صور الازدحام التي اعتاد الإعلام تداولها في الأعوام الماضية.

• عوامل الأمان الرئيسية:

  • توزيع الحشود إلكترونيًا في كل مشعر عبر نماذج بيانات لحظية.

  • جدولة دقيقة لأوقات رمي الجمرات باستخدام تقنيات المحاكاة المسبقة.

  • أكثر من 45 ألف كاميرا مراقبة ذكية و1200 طائرة مسيّرة رصدت الحركة بدقة عالية.

  • تدخلات أمنية استباقية على مستوى توزيع المسارات وتعديل الاتجاهات لحظةً بلحظة.

 الذكاء الاصطناعي.. البطل الخفي في خلفية المشهد

لم يعد التنظيم مرتبطًا فقط بالعنصر البشري، بل تجاوزت السعودية ذلك إلى ما يُشبه “قيادة رقمية غير مرئية” تدير الحشود بكفاءة نادرة:

كيف عمل النظام؟

  • كل حاج تم تحويله إلى نقطة بيانات متحركة.

  • خوارزميات تنبؤية تُحلّل الكثافة وتُطلق التنبيهات خلال ثوانٍ.

  • شاشات ذكية في الطرقات تعطي تعليمات محدثة بلغة الحاج.

  • تطبيقات مخصصة تبث رسائل شخصية مباشرة لهاتف الحاج، مرتبطة بموقعه الجغرافي.

صور وزارة الداخلية السعودية

أبرز الأرقام التقنية:

  • تحليل 78 مليار نقطة بيانات على مدى 10 أيام.

  • استخدام نظام تحكّم مركزي متصل بالأقمار الصناعية.

  • أكثر من 620 روبوتًا ذكيًا خدموا في التوجيه والتطبيب والتوعية.

 مكافحة المخالفين.. لا حج بدون تصريح

ولأول مرة منذ سنوات، لم تُسجل أية حالات تسلل جماعي أو مخالفات تُهدد الأمن التنظيمي:

مقارنة بالأعوام السابقة:

  • في 2024: أدى نحو 500 ألف شخص فريضة الحج دون تصريح.

  • في 2025: صفر دخول دون تصريح، بعد ضبط 312 ألف محاولة تسلل قبل وصولها للمشاعر.

أدوات الردع:

  • نقاط تفتيش رقمية مزوّدة بتقنيات تعرف على الوجه.

  • متابعة رقمية للبصمات وتحركات المركبات منذ دخول مكة.

  • توقيف مئات المركبات المخالفة على مداخل مكة بفضل تكنولوجيا المسح الذكي.

 الخدمات الصحية.. صفر أوبئة، جاهزية قصوى

أشادت منظمة الصحة العالمية ومنظمات دولية بكفاءة القطاع الصحي في السعودية خلال موسم الحج:

أرقام وزارة الصحة:

  • 27 ألف كادر طبي متوزعين على المشاعر.

  • 250 عيادة متنقلة و15 مستشفى ميدانيًا.

  • أكثر من 1350 عملية إسعاف ميداني تمت خلال دقائق.

  • استخدام الذكاء الاصطناعي لتوقع الأمراض المعدية واحتوائها قبل ظهور الأعراض.

 إدارة الحشود.. كيف تحرك أكثر من مليون إنسان كأنهم جسد واحد؟

بتطبيق علم “إدارة الحشود السلوكي”، ودمجه مع أنظمة الذكاء الاصطناعي، تمكّنت المملكة من تنظيم حركة الحجاج من عرفات إلى مزدلفة ثم منى، دون زحام ولا تدافع.

تفاصيل الحركة:

  • زمن الانتقال من عرفات إلى مزدلفة: 60 دقيقة فقط في ذروة الوقت.

  • عدد الحافلات المُدارة إلكترونيًا: 25,400 حافلة.

  • نسبة التزام الحجاج بمساراتهم المحددة رقميًا: 98.7%.

 تغطية إعلامية دولية وإشادة عالمية

غطّت كبرى القنوات ووكالات الأنباء الحدث بوصفه “أذكى حج في التاريخ”، ووصفت CNN الحدث بأنه “نقلة نوعية في إدارة التجمعات البشرية الدينية”، فيما قالت رويترز إن “السعودية وضعت معيارًا جديدًا يجب على العالم أن يتعلم منه”.

ترك الرد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا