يواجه سكان العاصمة الفيتنامية هانوي، البالغ عددهم تسعة ملايين نسمة، تدهورًا مستمرًا في جودة الهواء بسبب غياب سياسات فعّالة تعالج الأسباب الرئيسية للتلوث.
في ظل استمرار الضباب الدخاني، اضطرت تران ثي تشي إلى مغادرة منزلها في وسط المدينة، حيث عاشت لعقد من الزمن، والاستقرار في منطقة تبعد نحو خمسين كيلومترًا. وتقول المرأة، التي تعمل في مجال الاتصالات، إن “الهواء في هانوي أصبح كثيفًا جدًا، كما لو أنه خالٍ من الأكسجين”، مضيفة أن هناك حاجة ماسة إلى تدابير واقعية من جانب السلطات.
تظهر العاصمة الفيتنامية بانتظام ضمن قائمة المدن الأكثر تلوثًا في العالم، دون تحرك جاد من الجهات الرسمية. وفي هذا الوقت من العام، يميل الهواء البارد الراكد إلى محاصرة الغازات الضارة المنبعثة من الأنشطة البشرية، مما يؤدي إلى انتشار ضباب سام له آثار مدمرة على السكان.
وفقًا لمنظمة الصحة العالمية، يتسبب تلوث الهواء في نحو 70 ألف حالة وفاة سنويًا في فيتنام، إلى جانب ارتفاع معدلات الإصابة بالسكتة الدماغية وأمراض القلب وسرطان الرئة والربو، مما يؤدي إلى خسائر اقتصادية تُقدر بنحو 13 مليار دولار سنويًا، وفقًا للبنك الدولي.
وضع طارئ دون حلول جذرية
يصف موثوكومارا ماني، كبير الاقتصاديين المسؤول عن القضايا البيئية في البنك الدولي، الوضع في هانوي بأنه “طارئ”، مشيرًا إلى تفاقم المشكلة إلى أعلى المستويات في البلاد. وقد زار مسؤولون محليون العاصمة الصينية بكين لدراسة كيفية تمكنها من تحسين جودة الهواء، إلا أن الإجراءات الفعلية على الأرض لا تزال محدودة.
ورغم الإعلان عن خطط طموحة لمواجهة التلوث، فإن تنفيذها يظل ضعيفًا. فمثلًا، على الرغم من حظر حرق قش الأرز في الهواء الطلق منذ عام 2022، لا يزال المزارعون يعتمدون عليه كوسيلة رخيصة وسريعة لتحضير الحقول للمواسم الزراعية التالية.
وينطبق الحظر نفسه على حرق النفايات البلاستيكية، الذي لا يزال شائعًا في عدة مناطق، حيث تنتشر رائحة الدخان والبلاستيك المحترق في أحياء كثيرة من العاصمة.
غياب الإجراءات الفعالة
على عكس العاصمة التايلاندية بانكوك، التي تواجه مشكلة تلوث مماثلة، لا تُتخذ تدابير استثنائية في هانوي مثل إغلاق المدارس خلال فترات الذروة أو تفعيل نظام العمل عن بُعد لتقليل الازدحام.
وفي حين بدأت وسائل الإعلام الرسمية في تصعيد اللهجة حول القضية، ما زالت الإجراءات الحكومية غير كافية. فقد نشرت منصة “فيتنام نت”، التابعة لوزارة المعلومات والاتصالات، تقريرًا نادرًا وصفت فيه الوضع بأنه “أزمة تتطلب اهتمامًا فوريًا”، لكن لم يتبع ذلك أي تغيير ملموس.
قمع الأصوات البيئية
يرى الخبراء أن مواجهة القضايا البيئية في فيتنام غالبًا ما تتعارض مع المصالح الاقتصادية المرتبطة بالسلطة، مما يجعل الدعوات إلى التغيير محفوفة بالمخاطر. فقد شهدت السنوات الأخيرة اعتقال عدد من الصحافيين والناشطين الذين ركزوا على قضايا التلوث والبيئة.
ويقول بن سوانتون، المدير المشارك لمجموعة “بروجكت 88” المدافعة عن حرية التعبير في فيتنام، إن “القمع جعل من المستحيل عمليًا مطالبة الحكومة بمعالجة أزمة تلوث الهواء”.


