احتشد آلاف السوريين من نساء ورجال وأطفال، في سياراتهم أو سيرا، أمام سجن صيدنايا السيء الصيت في ريف دمشق، بانتظار معرفة مصير أقارب لهم معتقلين، غداة إعلان الفصائل المعارضة إسقاطها نظام الرئيس بشار الأسد وهروبه من دمشق.
على الطريق المؤدي الى السجن، اصطف طابور من السيارات امتد على طول نحو سبعة كيلومترات، ما دفع المئات الى المتابعة سيرا على الاقدام. ومع استمرار منظمات إنسانية في القيام بعمليات بحث داخل السجن، بقي كثر منهم حتى وقت متأخر ينتظرون معرفة معلومات عن أقارب لهم، وبين هؤلاء يوسف مطر (25 عاما) الذي جلس على صخرة قرب السجن ينتظر أكثر من عشرة أشخاص من أقاربه يعتقد أن جميعهم يقبعون داخل السجن السيء السمعة، الواقع على مسافة نحو 30 كيلومترا من دمشق.
“سباق مع الوقت”
منذ أن دخلت فصائل المعارضة دمشق الأحد، أعلنت السيطرة على سجن صيدنايا وتحرير السجناء الذين كانوا فيه بعدما شهد أسوأ أنواع التعذيب خلال حقبة حكم حزب البعث، ولا يزال لدى العائلات بصيص أمل بوجود سراديب تحت الأرض قد تضمّ مساجين، وفي محيط السجن، جلست عائلات على الأرض وهي تفتّش في الوثائق والأوراق لعلها تجد اسماء من تبحث عنهم، وأظهرت صور على مواقع التواصل الاجتماعي عشرات الرجال بوجوه نحيلة منهم من تولى رفاقهم حملهم لشدّة نحولهم وعدم قدرتهم على التحرك، أثناء إخراجهم من السجن، ومنذ العام 2011، لقي أكثر من 100 ألف شخص حتفهم في السجون، خصوصا بسبب التعذيب، بحسب تقديرات المرصد السوري لحقوق الإنسان، وتقدّر رابطة معتقلي ومفقودي سجن صيدنايا أن 30 ألف شخص دخلوا السجن منذ اندلاع النزاع في العام 2011، وأفرج عن ستة آلاف منهم فقط، فيما يُعتبر معظم الباقين في حكم المفقودين، وخصوصا أنه نادرا ما يُبلّغ الأهالي بوفاة أبنائهم، وإن تمكنوا من الحصول على شهادات وفاة لهم، فإنهم لا يتسلمون جثثهم، وغداة نقطة تحوّل تاريخية مع انتهاء حكم عائلة الأسد الذي امتدّ أكثر من نصف قرن في سوريا، أرسلت منظمة “الخوذ البيضاء” التي كانت تنشط في مناطق سيطرة الفصائل في إدلب، فرق طوارئ إلى سجن صيدنايا، وفي محيط سجن صيدنايا، يقول المتطوع في البحث عن المساجين محمد جحا “نحن في سباق مع الوقت. في كل لحظة قد يموت شخص إضافي، معنا أدوات بسيطة نستطيع بواسطتها القص لكن الأمر كمن يبحث عن إبرة في كومة قش”.
“ذهب الخوف”
من جهتها، سجّلت منظمة العفو الدولية آلاف عمليات الإعدام ونددت ب”سياسة إبادة جماعية حقيقية” في صيدنايا، “المسلخ البشري”، وقفت أم وليد (52 عاما) بترقب أمام السجن، تنتظر أن تسمع خبرا عن شقيقها، وتقول المرأة التي فضلت عدم إعطاء اسمها كاملا “أنا هنا أبحث عن أخي المفقود منذ عام 2013، بحثنا عنه في كل مكان ولم نجده، وكل الظن أنه هنا في سجن صيدنايا”، ويروي محمد “جميعهم متهمون بالإرهاب وبينهم ابن اختي الذي لم يتجاوز 14 عاما حين اعتقل”، ويضيف متأثرا “اقتادوهم من منازلهم وزرناهم مرة واحدة فقط، وبعد ذلك أخبرونا أنهم ماتوا وعلينا المجيء مرة أخرى لأخذ هوياتهم”، ويتدارك “لم يعطونا أي اثبات أنهم ماتوا، ولا يزال لدي أمل انهم على قيد الحياة”، ويعتبر معظم السجناء الذين لم يفرج عنهم في عداد المفقودين، ونادرا ما تقدّم شهادات وفاة إلى أهاليهم ما لم يلجأوا الى دفع رشاوى للحصول عليها.