عرفت إسرائيل في تاريخها عمليات احتجاز رهائن عدة حُل بعضها بالسبل الدبلوماسية والبعض الآخر بالقوة إلا أن ملف الرهائن المحتجزين لدى حماس ويصل عددهم إلى نحو 150، معضلة لم يسبق للدولة العبرية أن واجهتها، ويرجح أن يزداد الضغط على السلطات الإسرائيلية مع إعلان كتائب عز الدين القسام، الجناح العسكري لحركة حماس الجمعة مقتل 13 من هؤلاء الرهائن وبينهم أجانب في القصف الإسرائيلي على قطاع غزة خلال الساعات الأربع والعشرين الماضية، وبين الرهائن وعددهم نحو 150 شخصا، نساء وأطفال، وتنتشر عبر وسائل التواصل الاجتماعي صور ومشاهد عنهم تم التحقق من صحة بعضها دون أخرى تظهر أطفالا رضع وبالغين، وسبق لحركة حماس أن هددت باعدام رهائن مؤكدة أن “كل استهداف لشعبنا بدون سابق إنذار سنقابله بإعدام رهينة من المدنيين”.

أطلقت حماس في السابع من تشرين الأول أكتوبر، عملية “طوفان الأقصى” التي توغّل خلالها مقاتلوها في مناطق إسرائيلية من البحر عبر زوارق، ومن البر عبر اختراق أجزاء من السياج الحدودي الشائك، ومن الجو عبر المظلات، بالتزامن مع إطلاق آلاف الصواريخ في اتجاه إسرائيل. ودخلوا مواقع عسكرية وتجمعات سكنية وقتلوا أشخاصا وأسروا آخرين، ويذكر ملف الرهائن بمحطات مؤلمة في تاريخ إسرائيل، إلا أن إيتيان دينيا الخبير بمسائل الرهائن في مركز الأبحاث الدولية (سيري) يؤكد أن عملية احتجاز الرهائن الحالية “لا سابق لها من حيث الحجم والطبيعة”، ويرى أن “إسرائيل معتادة على عمليات كهذه تشمل رجالا وجنودا، لكن الأمر يتعلق هنا بمدنيين بينهم عدد من النساء ما يشكل تحولا له دلالات”، فخلال دورة الألعاب الأولمبية في ميونيخ عام 1972 قتلت مجموعة فلسطينية مسلحة 11 رياضيا إسرائيليا، وفي هجوم عام 1976 على مطار عنتيبي في أوغندا تمكنت إسرائيل من تنفيذ عملية لتحرير رهائن كانوا محتجزين في طائرة خطفها مقاتلون فلسطينيون.

خطوط حمراء إسرائيلية
في العام 2004، أفرجت إسرائيل عن نحو 450 معتقلا فلسطينيًا في مقابل الافراج عن رجل أعمال إسرائيلي وجثث ثلاثة جنود، بعد سنتين على ذلك، انطلقت مع خطف الجندي جلعاد شاليط عمليات عسكرية إسرائيلية استمرت خمسة أشهر في قطاع غزة، وأفرج عنه بعد خمس سنوات في مقابل الافراج عن 1027 معتقلا فلسطينيا، وكانت هذه المرة الأولى منذ 26 عاما يخطف فيها عسكري إسرائيلي ويعاد حيا إلى بلاده، إلا ان هذه القضية أثارت “نقاشا شديد الحدة في المجتمع الإسرائيلي حول التنازلات التي ينبغي القيام بها” للافراج عن رهائن على ما يشدد إتيان دينيا مشيرا خصوصا إلى “لجنة شمغار” التي كلفت تحديد الخطوط الحمر، ويوضح “كان ينبغي خصوصا وقف مبادلة الأحياء في مقابل جثث. حتى عائلة رون أراد (الطيار العسكري الذي فُقد خلال مهمة في لبنان عام 1986) رفضت علنا أن تُقدم السلطات تنازلات لاستعادة” جثته، والجدل لا يزال محتدما، ورأى رافاييل موراف سفير إسرائيل في فرنسا عبر إذاعة “ار أف إي” الفرنسية إن التفاوض للافراج عن جلعاد شاليط “كان خطأ ربما”، ورأى أن “السجناء ال1027 الذين عادوا إلى غزة لم يعودوا لتأسيس عائلة والعيش بسلام بل دخلوا مجددا في حلقة الإرهاب” ذاكرا من بينهم يحيى السنوار رئيس المكتب السياسي لحركة حماس في قطاع غزة.

لكن لم يسبق لإسرائيل أن واجهت ما تواجهه راهنا. فقد حصل قصور من جانب الجيش وأجهزة الاستخبارات فيها، وقتل أكثر من 1200 شخص على أراضيها فيما تتعرض الحكومة لضغوط هائلة لتحرير الرهائن، لكن يضاف إلى تعقيدات الوضع، بعد دولي إذ يحمل رهائن عدة جنسية أخرى غير الإسرائيلية، وطالبت عائلات أميركيين يرجح أنهم محتجزون في غزة الثلاثاء إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن بالعمل على عودتهم سالمين، والخميس حثت عائلات فرنسية بدورها الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إلى “التدخل”.

شروط حماس
يقول يون ألتريان مدير منطقة الشرق الوسط في مركز الأبحاث CSIS في واشنطن “قال الإسرائيليون إن الرهائن لن يؤثروا على حساباتهم لكن هذا على الأرجح غير صحيح. على الصعيد الاستراتيجي ستتحرك إسرائيل على الأرجح من دون أخذ الرهائن في الحسبان، لكن على الصعيد التكتيكي ستحاول الافراج عنهم بكل الوسائل”، أما حركة حماس فتنوي ان تلعب على هذا الوتر الحساس للغاية للحصول على مجموعة من التنازلات، وتؤكد إيفا كولورويتيس الخبيرة المستقلة بشؤون الشرق الأوسط “الهدف الرئيسي لهجوم حماس كان احتجاز أكبر عدد ممكن من المعتقلين والرهائن”، وتأمل الحركة التمكن من الافراج عن نحو خمسة آلاف معتقل فلسطيني في السجون الإسرائيلية لكنها ستسعى أيضا “للحصول على رفع للحصار المفروض على غزة” و”هامش إداري أوسع” في المستقبل بحسب الخبيرة نفسها، وتشير إلى ان حكومة الطوارئ التي شكلت في إسرائيل قالت إنها “لن تتفاوض قبل نهاية الحرب لكنها بدأت عمليا من خلال الوساطة المصرية، تتفاوض للسماح بدخول وقود ومواد غذائية إلى غزة في مقابل الافراج عن محتجزين”.


