تتقدم قوات ودبابات إسرائيلية صوب مدينة غزة وسط مقاومة شرسة من مسلحي حركة المقاومة الإسلامية (حماس) الذين يستخدمون قذائف مورتر وهجمات كر وفر من الأنفاق في وقت يرتفع فيه بشدة عدد القتلى الفلسطينيين في القطاع، وبدأت الحرب، التي تدور للأسبوع الرابع، تقترب من المركز السكاني الرئيسي في شمال القطاع الذي أمرت إسرائيل سكانه بالمغادرة في إطار سعيها للقضاء نهائيا على حماس، وقال قائد الجيش الإسرائيلي إيتسيك كوهين “نحن على أبواب مدينة غزة”.
ذكر سكان وأظهرت لقطات مصورة من الجانبين أن مقاتلين من حماس وحركة الجهاد يخرجون من أنفاق لإطلاق قذائف على الدبابات ثم يختفون مجددا في شبكة الأنفاق في مواجهة جيش أقوى بكثير، وقال أحد السكان “لم يتوقفوا أبدا عن قصف مدينة غزة طوال الليل ولم يتوقف المنزل عن الارتجاج، لكن في الصباح اكتشفنا أن القوات الإسرائيلية لا تزال خارج المدينة على مشارفها وهذا يعني أن المقاومة أعنف مما توقعوا”، وشدد ضباط إسرائيليون على صعوبة القتال في تلك الظروف وبدا أن استراتيجيتهم حتى الآن هي تركيز عدد كبير من القوات في شمال القطاع بدلا من اجتياح بري كامل.
اندلعت أحدث حرب في الصراع الممتد منذ عقود عندما شنت حماس هجوما مباغتا على إسرائيل في السابع من أكتوبر تشرين الأول وتقول إسرائيل إن ذلك الهجوم أسفر عن مقتل 1400 واحتجاز أكثر من 200، وبدأت إسرائيل بعدها ردا انتقاميا بقصف وضربات جوية عنيفة ومتواصلة على قطاع غزة المحاصر والمكتظ بالسكان مما أسفر حتى الآن عن مقتل ما يزيد على تسعة آلاف، نحو نصفهم من الأطفال، وفقا للسلطات الصحية في غزة، وساندت الدول الغربية إسرائيل كالعادة وقالت إن لها الحق في الدفاع عن نفسها لكن اللقطات والصور المروعة للجثث والحطام والظروف التي حولت القطاع إلى جحيم إضافة لخروج احتجاجات حاشدة في الشوارع حول العالم دفعت إلى إطلاق دعوات ومناشدات لضبط الرد، وذكر سكانُ أنّ قذائف مورتر انطلقت في مناطق حول مدينة غزة وقالوا إنّ دبابات وجرافات إسرائيلية تسير في بعض الأحيان فوق الركام وتهدم حوائط بدلا من استخدام الطرق المعتادة بينما استمرت الطائرات في القصف من الجو.
دمار في جميع أنحاء غزة
على الرغم من أن إسرائيل طلبت من سكان غزة التوجه جنوبا فإن ذلك الجزء من القطاع لم يسلم أيضا من الضربات، وقال مسؤولون بقطاع الصحة في غزة إن ثلاثة فلسطينيين قتلوا في قصف بدبابة قرب مدينة خان يونس كما قتلت غارة جوية خمسة آخرين خارج مدرسة تابعة للأمم المتحدة في مخيم الشاطئ للاجئين، وقال سكان ومسؤولون في غزة إن ضربة جوية دمرت مجموعات من المنازل في مخيم البريج للاجئين وجرى انتشال 15 جثة من تحت الأنقاض، وكان الناس يبكون ويصرخون وهم يجمعون الجثث في بطانيات وكانوا يرددون “مذبحة، مذبحة” وقال البريجادير جنرال إيدو مزراحي قائد سلاح المهندسين في الجيش الإسرائيلي لراديو الجيش إنّ القوات تقوم حاليا بمرحلة أولى لفتح مداخل في غزة، وتابع قائلا “هذه منطقة تضاريسية بالطبع مليئة أكثر من قبل بالألغام والأفخاخ حماس تعلمت وأعدت نفسها جيدا”، ومع توجه وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن مجددا إلى المنطقة بعد أن قال إن الولايات المتحدة وآخرين يبحثون في خيارات لمستقبل غزة، تنتقد حماس التدخل الخارجي.
قالت الحركة الفلسطينية إن الشعب الفلسطيني “العظيم” ومقاومته “الباسلة” ستنتصر على هذا “الاحتلال الفاشي”، مطالبة بدولة مستقلة، وبعد حصار مطبق وكامل على القطاع لأكثر من ثلاثة أسابيع، تم السماح لبعض حاملي الجوازات الأجنبية والمصابين بجروح خطرة بالخروج من معبر رفح، وقال وائل أبو محسن المسؤول الفلسطيني على الحدود إن 400 أجنبي سيغادرون إلى مصر من معبر رفح بعد عبور 320 على الأقل، وأضاف أن عشرات الفلسطينيين المصابين بجراح حرجة سيغادرون القطاع أيضا، وقالت غادة السقا، وهي مصرية في رفح تنتظر العودة لديارها بعد زيارة أقاربها، “أريد أن أعبر، لسنا حيوانات، رأينا الموت بأعيننا”، متحدثة عن ضربة قرب منزل أشقائها جعلتها هي وابنتها تعيشان في الشارع.
شملت الضربات الإسرائيلية أمس استهداف مخيم جباليا للاجئين المقام منذ عام 1948 والمكتظ بالسكان، وقال المكتب الإعلامي لحكومة حماس إن 195 فلسطينيا على الأقل قتلوا في جباليا، فيما لا يزال هناك 120 مفقودا تحت الأنقاض. وأضاف في بيان أن 777 على الأقل أصيبوا، وقالت إسرائيل إن ضرباتها أسفرت عن مقتل اثنين من القادة العسكريين لحماس في جباليا. وتتهم إسرائيل حماس بأنها تختبئ خلف المدنيين، وقال بيني غانتس الوزير في حكومة الحرب الإسرائيلية “نحارب على كل الجبهات ونضرب حماس أينما نجدها، سنطاردهم ليل نهار في مدنهم وفي أسرتهم”.
وضع كارثي في المستشفيات
مع تزايد تعبير دول عربية عن غضبها مما تفعله إسرائيل، كتب المفوض السامي لحقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة على منصة إكس “نظرا للعدد الكبير من الضحايا المدنيين وحجم الدمار في أعقاب الضربات الجوية الإسرائيلية على مخيم جباليا للاجئين، لدينا مخاوف جدية من أن تكون هذه هجمات غير متناسبة يمكن أن تصل إلى مستوى جرائم حرب”، وقال الجيش الإسرائيلي إنه فقد 18 جنديا وقتل عشرات المسلحين منذ توسيع العمليات البرية، ولا يزال العنف مستمرا في الضفة الغربية أيضا، مع تنفيذ الجيش الإسرائيلي مداهمات لتنفيذ اعتقالات بما يثير مواجهات مع مسلحين وأفراد يرشقون قواته بالحجارة، وقال مسعفون فلسطينيون ووزارة الصحة إن ثلاثة فتيان ورجلا في الخامسة والعشرين من عمره قتلوا في اشتباكات، ولم يصدر تعليق من الجيش الإسرائيلي على تلك الأحداث بعد، وقال الجيش ومسعفون إنّ مسلحين فلسطينيين قتلوا إسرائيليا كان يقود سيارته في الضفة الغربية.
وسط تزايد المطالبات الدولية “بهدنة إنسانية” دون استجابة، تتدهور الظروف في القطاع الساحلي بشكل متزايد في ظل استمرار الهجمات الإسرائيلية والحصار المشدد، وتتضاءل الكميات المتاحة من الغذاء والوقود ومياه الشرب والأدوية، وهناك تسرب في أنظمة الصرف الصحي، ويضطر البعض لشرب ماء مالح والمساعدات القليلة التي يسمح لها بالدخول لا تشكل إلا قسما يسيرا من الاحتياجات، وتعاني المستشفيات وتوقف أكثر من ثلثها عن العمل بسبب نقص الوقود، وقالت جمعية العون الطبي للفلسطينيين وهي مؤسسة خيرية “الوضع فاق وصف الكارثي في مستشفيات غزة”، واصفة الممرات المكتظة بالمصابين والمرضى وتضاؤل الوقود واحتماء نازحين في المستشفيات وفقد المسعفين والأطباء أنفسهم لمنازلهم وأحبائهم.


