وجد الليبيون الذين جرفت الفيضانات منازلهم في مدينة درنة بشرق البلاد أنفسهم محاصرين بين مطرقة البقاء في المدينة واحتمال إصابتهم بالعدوى وسندان الفرار منها عبر مناطق جرفت الفيضانات ألغاما أرضية إليها، وهناك مخاوف من أن يكون آلاف الأشخاص لقوا حتفهم بعد انهيار سدين في مدينة درنة في العاشر من سبتمبر أيلول الجاري، مما أدى إلى انهيار مبان سكنية كانت تصطف على جانبي مجرى نهر عادة ما يكون جافا بينما كان الناس نياما، وجرفت المياه جثثا كثيرة في اتجاه البحر، وذكر تقرير صادر عن مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية أنّ ما لا يقل عن 11300 شخص لقوا حتفهم، وهو ما يزيد على مثلي العدد الذي أعلنته المنظمة الدولية للهجرة، ونسب التقرير حصيلة هذه الأرقام إلى الهلال الأحمر الليبي، لكن متحدثا باسم الهلال الأحمر قال إنهم لم ينشروا مثل هذا العدد من الضحايا.
تقول الأمم المتحدة إن أكثر من ألف شخص دفنوا في مقابر جماعية، وحذرت جماعات الإغاثة من هذه الممارسة، وأكدت السلطات الليبية إصابة 150 شخصا بالتسمم بسبب المياه الملوثة في المناطق المتضررة من الفيضانات، وقال محمد ونيس التاجوري إنه جاء إلى درنة من بنغازي على الساحل مع زملائه من طلاب الطب للقيام بأعمال التطهير والتعقيم، وأضاف بعد الفيضانات تحدث الأوبئة، ومع شروق شمس خفت حدة مشاهد الدمار مع إزالة أكوام الركام ووضعها على جوانب طرق خالية ورفع كميات من المعادن المتشابكة بعضها أجزاء من حطام سيارات، وافترش حمد عوض شارعا خاليا وبجانبه زجاجة ماء وأغطية سرير، وقال “أنا باق في منطقتنا في محاولة لتنظيفها والتحقق من المفقودين، الحمد لله الذي رزقنا الصبر”.

وجرفت المياه مناطق بأكملها في درنة، التي يقدر عدد سكانها بنحو 120 ألف نسمة على الأقل، أو غطتها بالوحل، وأفادت وسائل إعلام رسمية أن ما لا يقل عن 891 بناية دُمرت في المدينة، فيما قال رئيس البلدية إن 20 ألف شخص ربما يكونوا قد لقوا حتفهم جراء هذه الكارثة، وقال مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية إن المشردين يعيشون في ملاجئ مؤقتة أو مدارس أو عند أقاربهم أو أصدقائهم، وأضاف التقرير أن مياه الفيضانات نقلت الألغام الأرضية وغيرها من الذخائر التي خلفها الصراع على مدار السنوات الماضية، مما يشكل خطرا إضافيا على آلاف النازحين المتنقلين.
أمل وخوف
أرسلت منظمات إغاثة دولية مساعدات طارئة جوا كما قدمت بعض الدول إمدادات ومساعدات أخرى، لكن مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية قال إن هناك حاجة إلى المزيد، وعرضت قناة المسار الليبية لقطات لتجهيز مستشفى ميداني فرنسي، وقال حسن عوض، وهو من سكان درنة، “جاء الناس بالمساعدات من كل مكان، وهذا سهّل علينا الأمر، وشعرنا أننا لسنا وحدنا”، وأشار عوض إلى عمود صدئ ممتد بين مبنيين، وقال إن التشبث به هو
السبب وراء نجاة أسرته من الفيضان الذي دمر منزلهم وغطى كل شيء بالوحل، وأضاف “عثرنا على جثث لجيران وأصدقاء وأحباء، لا أستطيع وصف ما حدث”، وعلى الواجهة البحرية، وقفت جرافة لرفع حطام الأثاث والسيارات في محاولة للعثور على ضحايا تحتها، وكانت جرافة أخرى تزيل أنقاضا بينما وقف موظفو إنقاذ على مقربة منها لأداء الصلاة، وفي البيضاء، وهي منطقة سكنية ساحلية تقع غربي درنة، يعالج مستشفى ضحايا الإعصار من درنة ومن المنطقة ذاتها، ووضع أطباء حواجز مؤقتة في الشارع للحيلولة دون وصول مياه الفيضانات إلى المبنى بيد
أنها وصلت وارتفع منسوبها داخله، ووزع متطوعون ملابس وأطعمة في مناطق أخرى من المدينة.
![]()
تعاني ليبيا التي يبلغ عدد سكانها سبعة ملايين نسمة من عدم وجود حكومة مركزية قوية منذ الانتفاضة التي دعمها حلف شمال الأطلسي وأطاحت بمعمر القذافي في عام 2011، وقال محللون إن الكارثة أدت إلى قدر من التنسيق بين الحكومة المدعومة دوليا في طرابلس في الغرب والإدارة المنافسة لها في الشرق، لكن من المرجح أن تعيد جهود إعادة الإعمار الخلافات بين الجانبين، وقال الدكتور أسامة الفاخري، مدير مكتب وزير الصحة في حكومة
الشرق، “عدد القتلى حتى الآن 3252، وجميعهم دفنوا”، وأضاف أن 86 جثة انتُشلت من تحت الأنقاض وأن عمليات الإغاثة مستمرة، وقال مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية إن أكثر من 40 ألف شخص شُردوا، محذرا من أن هذا الرقم من المرجح أن يكون أعلى من ذلك بكثير بسبب صعوبة الوصول للمناطق الأكثر تضررا مثل درنة، حيث شُرد
ما لا يقل عن 30 ألف شخص. ووصف رئيس حكومة الوحدة الوطنية المعترف بها دوليا في طرابلس عبد الحميد الدبيبة الفيضانات بأنها كارثة غير مسبوقة.


